أخر الأخبار

هل تستطيع البضاعة السورية منافسة الأجنبية بالأسعار والجودة

يواجه الاقتصاد السوري تحديات جسيمة في ظل التحول نحو اقتصاد السوق الحر المفتوح، الذي يؤكد وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان أن سوريا بدأت بتطبيقه فعلياً. ومع ذلك، فإن الوضع الحالي يبدو صعباً، حيث يعاني الإنتاج الصناعي والزراعي من شبه توقف، والبنية التحتية مدمرة، والبطالة مرتفعة، بالإضافة إلى تصدّر سوريا قائمة الدول التي يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

يرى الباحث الاقتصادي جورج خزام أن البضاعة التركية قد استطاعت جذب المستهلكين السوريين بأسعارها المنخفضة مقارنة بالمنتجات الوطنية منذ سقوط النظام في ديسمبر 2024. ويشير إلى أن البضاعة التركية تُصدَّر إلى سوريا بسعر التكلفة بسبب الكساد الذي تعانيه، بالإضافة إلى الإعانات التصديرية المرتفعة والإعفاءات الجمركية التي يفترض أن تعود بالفائدة على الخزينة السورية. ويحذر خزام من أن هذا الوضع سيؤدي إلى إغراق الأسواق بالمنتجات الأجنبية، مما سيترتب عليه تراجع الصناعة السورية وزيادة أعداد العاطلين عن العمل.

من جهته، يعتقد وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان أن الصعوبات الحالية ستكون مؤقتة وستترافق مع مرحلة “إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية”، إلى أن تتمكن الحكومة من رفع العقوبات وجذب المستثمرين الأجانب، وهو ما يمكن أن يعيد الاقتصاد السوري إلى مسار التعافي.

تطرح الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب تساؤلاً مهماً حول ما إذا كانت الدول الكبرى ستسمح لسوريا بأن تصبح بلداً منتجاً أم ستستمر في إبقائها مستهلكة للبضائع الوافدة. وتشير إلى أن ترخيص “GL24” الأمريكي، الذي يسمح بتخفيض العقوبات، اقتصر على قطاع الطاقة والتحويلات المالية الفردية، دون أن يشمل الاستثمارات الجديدة. وتتساءل سيروب عن كيفية تأمين كلفة رفع الرواتب، التي تبلغ 127 مليون دولار وفقاً لوزير المالية محمد أبازيد، في ظل غياب الاستثمارات وفراغ الخزينة العامة.

يؤكد وزير الاقتصاد عبد الحنان على ضرورة تطبيق سياسات حماية المنتج المحلي، مع التركيز على دعم القطاعين الصناعي والزراعي لتحفيزهما. ويشدد على أن دور الدولة في اقتصاد السوق الحر يجب أن يكون رقابياً وتنظيمياً، حتى في قطاعات الصحة والتعليم، مع الترحيب بالاستثمارات الخارجية.

من جانبها، تحذر الدكتورة سيروب من تكرار تجربة عام 2007، عندما أبرمت حكومة الأسد اتفاقية تجارة حرة مع تركيا، مما أدى إلى تدمير العديد من الصناعات والورش السورية وكان أحد الأسباب المباشرة لاندلاع الثورة عام 2011. وتشير إلى أن مستوردات سوريا من تركيا في ديسمبر وحده بلغت 233.7 مليون دولار، وهو رقم مرتفع جداً قد يؤدي إلى تدهور القطاع الصناعي الخاص والعام على حد سواء.

واقع الأسواق السورية

في الواقع، بدأت البضائع الأجنبية، وخاصة التركية، تغزو الأسواق السورية بأسعار تنافسية لا تستطيع المنتجات المحلية مجاراتها. ففي سوق الألبسة، على سبيل المثال، انخفض سعر بنطلون الجينز الوطني من 150 ألف ليرة إلى 10 آلاف ليرة فقط بعد دخول الألبسة التركية. كما انخفضت أسعار المعلبات والأحذية ومعدات التجميل بشكل كبير، مما أثر سلباً على الصناعة المحلية.

يواجه الاقتصاد السوري تحديات كبيرة، بما في ذلك انخفاض قيمة الليرة السورية بنسبة 140% خلال عشر سنوات، وعدم وجود احتياطي أجنبي في المصرف المركزي، وديون ضخمة تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، ومعدلات بطالة تتجاوز 60%. وفي ظل هذه الظروف، يبقى السؤال: هل ستتمكن البضاعة السورية من منافسة المستوردات الأجنبية من حيث الأسعار والجودة؟

النهوض بالاقتصاد السوري يتطلب جهوداً كبيرة من الحكومة والمجتمع الدولي، مع ضرورة تجنب الأخطاء السابقة ووضع سياسات اقتصادية تحمي الصناعة المحلية وتشجع الاستثمارات الأجنبية. وفي الوقت نفسه، يجب أن تركز الحكومة على تلبية احتياجات المواطنين الأساسية، مثل الخبز والمواصلات والرعاية الصحية، كجزء من استراتيجية شاملة لإعادة الإعمار والتنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى